دليل الطالب

دليل الطالب في جمعية فرقان لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الطاف

كيف يحفظ الطالب ؟

أولاً : ما قبل الحفظ:

  على المتعلم قبل البدء بحفظ القرآن الكريم أن يراعي ما يلي:

أ ـ إخلاص النية لله تعالى:

فالنية هي الأصل في جميع الأحوال، قال تعالى {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين} وقال {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}، وفي الحديث الصحيح : (إنما الأعمال بالنيات)، وحسن النية يصيّر أعمال الدنيا من أعمال الآخرة، كما أن سوء النية يجعل عمل الآخرة من أعمال الدنيا.

والمتعلم إذا أخلص نيته في تعلمه لله سهل الله عليه أمره وشرح صدره، ثم يثاب على كل جهد يبذله في تعلم العلم وهو في سبيل الله منذ أن يخرج من بيته حتى يرجع ، وعليه أن ينوي بطلب العلم رضا الله تعالى والدار الآخرة وإزالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجهال وإحياء الدين وإبقاء الإسلام وتلاوة القرآن الكريم صحيحاً كما أنزل، والشكر على نعمة العقل وصحة البدن، والتعرض لما أعد الله لأهل العلم من رضوانه.

  ومما يعين على إخلاص النية لله معرفة فضائل القرآن الكريم وفضائل تعلمه وما أعد الله من الأجر لأهل القرآن والدعاء، والبعد عن الفخر والمباهاة والرياء وحب الظهور إلى غير ذلك مما يؤثر على النيات.

وعليه أن يتعاهد نيته بين الحين والآخر.

  قال القرطبي: (فيجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله، فإن كان تقدم له شئ مما يكره فليبادر التوبة والإنابة، وليبتدئ الإخلاص في الطلب وعمله، فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أكثر مما يلزم غيره، كما أن له من الأجر ما ليس لغيره).

ب ـ اختيار الحلقة:

  ثم عليه أن يختار الحلقة التي يرى أنها تناسبه، ويجد نفسه مرتاحاً فيها، ويرى أنه سيحفظ فيها لا محالة، فبعض الطلاب يختار بعض الحلقات لما فيها من الأنشطة والطلاب الجيدين ثم لا يخرج بفائدة ولا حفظ وإنما بأنشطة رياضية ورحلات ونحو ذلك مما هو خارج عن تعلم القرآن.

  ويستخير الله تعالى فإن ذلك أعون على المقصود.

  ويراعي أن يكون أستاذ الحلقة ممن كملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته واشتهرت صيانته وكان أحسن تعليماً وأجود تفهماً، وذلك لا يقتضي أن يكون الأستاذ مشهوراً أو معروفاً قال ابن جماعة: (وليحذر من التقييد بالمشهورين وترك الأخذ عن الخاملين (عدم المشهورين) فقد عد الغزالي وغيره ذلك من الكبر على العلم وجعله عين الحماقة لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها ويتقلد المنة لمن ساقها إليه)، وقد يكون الحرص على القراءة على المشهورين من فساد النية ليقال: فلان قرأ على الشيخ الفلاني فليحذر من ذلك.

جـ ـ مقدار الحفظ اليومي:

  على الطالب أن يعرف طاقته في الحفظ وأن يحدد لنفسه مقداراً يومياً لا يتخلف عنها مهما حدث.

ولتحديد المقدار اليومي، ينظر في نفسه فيرى ما هو المقدار الذي يستطيع حفظه بأدنى جهد وليكن مثلاً نصف صفحة، ثم ينظر ما هي كامل طاقته في الحفظ وليكن مثلاً صفحتين فيأخذ المتوسط بينهما ويحافظ عليه حتى لو حدث له ظرف أو طارئ فإن المتوسط يكون لا زال في مقدوره ، وبهذا لا يتخلف أبداً، لأن التخلف هو بداية طريق ترك الحفظ بالكلية، وقليل دائم خير من كثير منقطع.

وفي الحديث: ( إن المُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ).

ثانياً: كيفية الحفظ:

1 ـ القراءة الصحيحة قبل الحفظ:

  على الطالب قبل حفظ المقدار المقرر أن يقرأه نظراً قراءة صحيحة فإن كان لا يحسن القراءة فعلى المدرس أن يقرأ له وهو يردد وراءه إلى أن يحسن قراءته ، وإن كان يحسن القراءة يعرضه على أستاذه نظراً أو يسمعه من قارئ متقن مع مراعاة التجويد لئلا يحفظ خطأً فيصعب عليه التصحيح بعد ذلك ، والنبي صلى الله عليه وسلم أخذ القرآن عن جبريل بالتلقي وتلقاه عنه أصحابه ثم من بعدهم قرناً بعد قرن إلى أن وصلنا متواتراً بالتلقي.

  قال ابن جماعة: (ولا يحفظ شيئاً قبل تصحيحه لأنه يقع في التحريف والتصحيف، وقد تقدم أن العلم لا يؤخذ من الكتب فإنه من أضر المفاسد).

  ولا يستحي من السؤال عما أشكل عليه أو لم يعرف قراءته ، قال مجاهد : لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر.

2 ـ طريقة الحفظ :

  بعد تصحيح المقدار نظراً يبدأ بحفظه وذلك بأن يعمد إلى الآية فيكررها مراراً حتى يتقن حفظها ثم ينتقل إلى الآية الثانية فيفعل نفس الشئ ثم يربط الآيتين ببعضهما ويكررهما ثم ينتقل إلى الثالثة، وهكذا…

وإن كانت الآية طويلة فإنه يقسمها إلى أجزاء تسهل عليه ويكون التقسيم حسب مواضع الوقف.

وهناك طريقة أخرى يستخدمها أقوياء الذاكرة وهي أن يقرأ نصف الصفحة أو الصفحة عدة مرات ثم يحاول أن يقرأها من حفظه ويرى مواضع الخطأ لديه ثم يعود فيقرؤها غيباً وهكذا حتى يحفظها.

وهنا لا بد من مراعاة أمور وهي:

أ ـ أن يحفظ على مهل ولا يسرع في القراءة عند الحفظ لأنه ان فعل ذلك فلن يستطيع عند التسميع إلا القراءة بسرعة وإن أبطأ أخطأ.

ب ـ أن يحفظ مراعياً أحكام التجويد ليثبت التجويد في ذهنه مع الحفظ، أما أولئك الذين يحفظون بدون تجويد فإنهم يسمّعون بلا تجويد وعند ردهم في حكم تجويدي يختلط الحفظ عليهم.

جـ ـ أن يراعي حسن الصوت لأن في ذلك عوناً على الحفظ ، وتدريباً على حسن الصوت، وتثبيتاً لإيقاع الآية في نفسه مما يجعله يتنبه لأدنى خطأ.

3 ـ إجادة حفظ المقرر قبل الانتقال إلى غيره:

لا بد أن يجيد حفظ المقدار تماماً بدون أدنى شك أو تردد قبل الانتقال إلى غيره.

وغالباً فإن المقرر لا يحفظ من جلسة واحدة، لذلك يستحسن أن يحفظ المقدار عدة مرات في اليوم فيحفظ الصفحة مثلاً قبل النوم ثم يستيقظ فلا يجد منها شيئاً فيعيد حفظها صباحاً ثم يعيد حفظها عند التسميع وبهذا يكون الحفظ متيناً قوياً ثابتاً.

أو أن يسمع المقرر نفسه لمدة ثلاثة أيام مع المقرر اليومي الجديد وقد تكلمنا على ذلك في ( كيف يدرس المدرس ) بما يسمى المراجعة الصغرى أو مراجعة الأسبوع أو مراجعة الدرس.

4 ـ المراجعة الدائمة:

على حافظ القرآن أن يتعاهده دائماً بالمراجعة وإلا فإنه يتفلت، كما ثبت في الحديث: ( تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها ).

وأفضل الأحوال أن يراجع حفظه كل ثلاثة أيام وبخاصة إن كان الحفظ جديداً وأدناها أن يراجعه كل شهر ولا يزيد على ذلك أبداً والحالة المتوسطة أن يراجع حفظه كل أسبوع .

وقد لخص ابن جماعة طريقة الحفظ بقوله : (أن يصحح ما يقرؤه قبل حفظه تصحيحاً متقناً إما على شيخ أو على غيره مما يعينه ثم يحفظه بعد ذلك حفظاً محكماً ثم يكرر عليه بعد ذلك حفظه تكراراً جيداً ثم يتعاهده في أوقات يقررها لتكرار مواضيه).

ثالثاً: أمور مساعدة على الحفظ :

1 ـ الفهم:

للفهم دور في المساعدة على الحفظ ولكن الاعتماد عليه يجعل النسيان سريعاً ويجعل الشخص يبدل الكلمات بأخرى مرادفة لها في المعنى، وإنك لتجد الذين يحفظون القرآن بدون فهم كالأطفال والأعاجم أقوى حفظاً، وهذا لا يعنى عدم الفهم، كلا! بل إن الفهم والعمل هو المقصود من حفظ القرآن، ولكن المقصود هنا هو عدم الاعتماد عليه وحده عند الحفظ.

2 ـ الحفظ على طبعة واحدة وعدم تغييرها :

 عندما يحفظ الإنسان من المصحف فإنه يستخدم بشكل رئيسي حاسة البصر ومن ثم ترسخ في ذهنه صورة الصفحة ومواضع الآيات فيها، وعندما يسمّع بعد ذلك ترتبط الآيات في ذهنه بمواضعها في الصفحات، فإن غيّر الطبعة فإن مواضع الآيات تتغير بلا شك في الطبعة الأخرى ثم يختلف ذلك مع الصورة التي انطبعت في ذهنه فيحصل الشتات.

ويوصى الطالب بأن يحفظ على نسخة متوفرة في جميع الأماكن ليستطيع مراجعة حفظه أينما ذهب والأفضل أن يكون له مصحف خاص به يحمله دوماً.

3 ـ معرفة المتشابهات:

القرآن الكريم مليء بالآيات المتشابهة كلياً أو جزئياً وهي المقياس الأول لمعرفة قوة الحفظ، ومعرفة مواضع المتشابهات من الأمور المهمة التي ينبغي على الطالب العلم بها، وهناك كتب اختصت بذكر المتشابه.

ولعل من المفيد أن يجد لبعض المتشابهات قواعداً تبسطها عليه كقولهم : (الرجفة في الدار، والصيحة في الديار)

أو نظمها في أبيات كقولهم:    

وقدم اللهو على اللعب في                   الأعراف والعنكبوت يا صفي

وهناك منظومات اهتمت بذلك كمنظومة السخاوي الشهيرة وغيرها.

4 ـ المراجعة مع الحفّاظ والتسميع لهم:

لأن في ذلك إظهاراً لمواضع الخطأ التي تخفى على الطالب، وكثيراً ما يحفظ الطالب الآيات خطأ ولا يتنبه لذلك إلا بعد سنوات ومن الأخطاء الشائعة قراءة {فاصدع بما تؤمرُ وأعرض عن المشركين} بإسكان الراء في {تؤمرْ } مع أنها مضمومة.

والتسميع للغير فيه استدراك لهذه الأخطاء وحبذا لو كتب أخطاءه ليحذر منها فيما بعد ولا يعود إليها .

5 ـ مراعاة أوقات الحفظ وأماكنه:

  قال الخطيب: أجود أوقات الحفظ الأسحار ثم وسط النهار ثم الغداة.

  قال : وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع.

  قال : وأجود أماكن الحفظ الغرف وكل موضع بعيد عن الملهيات.

  قال : وليس بمحمود الحفظ بحضرة النبات والخضرة والأنهار وقوارع الطرق وضجيج الأصوات لأنها تمنع من خلو القلب غالباً .

  وقال الشافعي : تفقه قبل أن ترأس فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه.

  قال ابن جماعة : ويغتنم وقت فراغه ونشاطه وزمن عافيته وشرخ شبابه ونباهة خاطره وقلة شواغله قبل عوارض البطالة أو موانع الرياسة.

  وقال الزرنوجي : وأفضل الأوقات شرخ الشباب ، ووقت السحر ، وبين العشاءين ، وينبغي أن يستغرق جميع أوقاته فإذا ملّ من علم يشتغل بعلم آخر.

أما المذاكرة ( وهي تكون مع الغير ) فقال الخطيب : وأفضل المذاكرة مذاكرة الليل ، وكان جماعة من السلف يبدؤون في المذاكرة من العشاء فربما لم يقوموا حتى يسمعوا أذان الصبح.

6 ـ سماع تسجيلات القراء المجيدين :

  فإن سماع القرآن الكريم مسجلاً يقوي الحفظ لأنه حينئذ يكون بحاسة السمع أيضاً وهو يرفع من مستوى الأداء ويحسن الصوت ويعين على التجويد ويجعل الآذان تعتاد اللفظ الصحيح.

7 ـ ومما يعين على الحفظ:

  الإخلاص لله تعالى ، ودعاؤه والتضرع إليه والاستعانة به سبحانه والتقوى، وسؤال الصالحين الدعاء له، وصلاة الليل وأكل اليسير من الحلال ، وأن يأخذ نفسه بالورع في جميع شأنه.

  قال الزرنوجي: (فمهما كان طالب العلم أورع كان علمه أنفع ، والتعلم له أيسر ، وفوائده أكثر) .

  وقال ابن جماعة : ( ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه وفي جميع ما يحتاج إليه هو وعياله ليستنير له قلبه ويصلح لقبول العلم ونوره والنفع به…

  ويقلل من نومه ما لم يلحقه ضرر في بدنه أو ذهنه ، ولا بأس أن يريح نفسه وقلبه وذهنه وبصره إذا كلّ شئ من ذلك أو ضعف ـ بتنـزه وتفرج في المتنزهات بحيث يعود  إلى حاله ولا يضيع عليه زمانه ).

8 ـ وأما ما يورث النسيان:

  فضد ما تقدم، والمعاصي، وكثرة الذنوب، والهموم، والأحزان، وكثرة الأشغال، وتشتت القلب والفكر في أمور الدنيا.

نسأل الله تعالى لنا ولكم الهدى والرشاد والتوفيق والسداد وأن يجعلنا من خدمة كتابه ويجعل أوقاتنا عامرة بذكره، وأعمالنا خالصة لوجهه إنه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

افتح المحادثة
تحتاج مساعدة؟
مرحبا
كيف أقدر أساعدك؟